“هآرتس”: الصيغة السحرية لرئيس الموساد

“هآرتس”: الصيغة السحرية لرئيس الموساد
Spread the love

موتي شتاينبرغ – مستشار لرؤساء الأجهزة الأمنية خلال السنوات 1990- 2003، زميل باحث في مركز تجديد الديمقراطية الإسرائيلية، مولاد |

في المحاضرة التي ألقاها في بداية هذا الشهر في مؤتمر هرتسليا، كرر رئيس الموساد، يوسي كوهين، تشديده على أنه يريد عرض صورة الوضع الاستراتيجي، التي تتضمن “موضوعات أساسية مطروحة على جدول أعمال الدولة”. يبدو أن الغرض من هذا التشديد هو أنه يجب الحكم على محاضرته كجهد موضوعي لفهم الواقع كما هو، لا كتبرير لأي سياسة.
تحديداً من نقطة الانطلاق هذه تتراكم الحيرة والاستغراب إزاء صورة الوضع الاستراتيجي التي قدمها رئيس الموساد. والأمور لا تتعلق فقط بما جاء في محاضرته، بل في الأساس بما غاب عنها. لقد أشار كوهين إلى أن “الموساد يرى فرصة نادرة للتوصل إلى تفاهم إقليمي سيؤدي إلى اتفاق سلام شامل. وهذه فرصة لن تتكرر”. وشدد على أنه “بما أن مهمة الموساد هي قيادة هذا الجهد” فقد شكّل مؤخراً “إدارة متخصصة في المجال السياسي – الاستراتيجي”.
في المعالجة التفصيلية لرئيس الموساد لـ”نافذة الفرص التي ستقود إلى اتفاق سلام شامل” غاب تماماً دور الجانب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، كأنه من الممكن التوصل إلى اتفاق سلام شامل من دونهما. حالياً، بعد الاعتراف الأميركي بضم الجولان، أي ساحة بقيت خارج “اتفاق شامل” غير الفلسطينيين؟ أليس التخبّط الذي لا نهاية له لـ”صفقة القرن” هو دليل قاطع على عدم وجود أي دولة عربية يمكن أن تحل محل الطرف الفلسطيني؟ وإذا كان “اتفاق سلام شامل” هو ما يتطلع إليه رئيس الموساد، كيف يتجاهل تماماً “مبادرة السلام العربية” المطروحة على إسرائيل منذ 17 عاماً، ليس فقط من جانب العالم العربي بل من العالم الإسلامي أيضاً؟
إذا كان رئيس الموساد يعرف الصيغة السحرية للتوصل إلى اتفاق شامل من دون الموضوع الفلسطيني، يتوجب عليه أن يكشفها لنا. لقد طرح رئيس الموساد بصورة عرضية أنه “نشأت فرصة للدفع قدماً بالموضوع الفلسطيني”، لكنه قال ذلك على بعد مسافة كافية من مناقشة إمكانية اتفاق شامل. إن الفرصة الحقيقية، الموجودة منذ 17 عاماً، موجودة في “مبادرة السلام العربية”، لكنه لم يأت على ذكرها.
لقد أشاد رئيس الموساد، عن حق، بالدول العربية التي تعترف بإسرائيل، مثل الأردن ومصر، وكذلك “بدول جدية”(بحسب كلامه) مثل عُمان. لكن جميع هذه الدول التي تؤيد الدولة الفلسطينية، لم تضع إسرائيل الاعتراف بطابعها اليهودي شرطاً أساسياً مسبقاً للاتفاق معها. لكنها تطرح على الجانب الفلسطيني ذلك كشرط مسبق، على الرغم من أنه غير مطلوب بتاتاً في القانون الدولي. أيضاً الجانب الفلسطيني يعترف، مثل هذه الدول، منذ أكثر من 30 عاماً (منذ قبل اتخاذ القرار 242) بدولة إسرائيل. لماذا “نافذة الفرص” لا تنطبق عليه؟
تزداد الدهشة أيضاً إزاء كل ما له علاقة بالمعالجة الواسعة لرئيس الموساد للموضوع النووي الإيراني. الإنجاز العملاني للموساد المتمثل بالحصول على الأرشيف النووي الإيراني يثبت فقط أن إيران ملتزمة بالقيود المفروضة عليها في الاتفاق الدولي. لو كان لدى إسرائيل أو الولايات المتحدة معلومة صغيرة تؤكد أن إيران خرقت الاتفاق قبل الأزمة الراهنة، لكانتا لوّحتا بها من على كل منبر.
اعترف كوهين صراحة بأن الاتفاق النووي مع إيران هو “عقبة لها لها موعد انتهاء مفعولها”. إذا كان هذا صحيحاً لماذا قاطعته إسرائيل ولم تندمج فيه من البداية، سواء من خلال المطالبة بتغير الصلاحية أو المطالبة بأن يشمل مشروع الصواريخ الباليستية الإيرانية وقيادة “حرس الثورة”؟ الحجة التي تتردد في كلام رئيس الموساد أن تخلّي إيران عن القيود بشأن تخصيب اليورانيوم بعد إلغاء الولايات المتحدة الاتفاق (بتشجيع من إسرائيل) يدل على أنها منذ البداية كانت تكذب وتخدع، ليست منطقية أو واقعية.
بنفس واحد ذكر رئيس الموساد “حماس”، والجهاد الإسلامي الفلسطيني، وحزب الله، كموالين ومعيّنين من إيران على حدود إسرائيل. واستند إلى “مصادرنا الاستخباراتية” كي يشير إلى أنه في العامين الأخيرين خصصت إيران أكثر من 100 مليون دولار لتطوير سلاح جديد لـ”حماس” والجهاد الإسلامي. وشدد كوهين على أن “حماس” “تعمل بكل قواها لإشعال يهودا والسامرة”. هنا يُطرح السؤال المزعج كيف تربط إسرائيل إيران عدوتها الوجودية بشأن كل ما له علاقة بمساعي التهدئة في قطاع غزة التي تثبت سلطة “حماس” وتقويها هناك، وتسمح لها بإشعال الضفة؟ يجري هذا كله بينما لا تزال السلطة الفلسطينية في الضفة تعمل جنباً إلى جنب مع إسرائيل في التنسيق الأمني في مواجهة “حماس” وحلفائها.
بالإضافة إلى الإمكانيتين المتعارضتين اللذين أشار إليهما رئيس الموساد حيال “حماس” في غزة، التهدئة التي تعني تثبيت حكم “حماس” هناك، أو القتال وصولاً إلى حرب، هناك إمكان ثالث يتطابق مع تقديره المتعلق بإمكان “اتفاق سلام شامل”. هذا الإمكان يفرض التخلي عن عقيدة الفصل بين غزة والضفة، السائدة في إسرائيل (عقيدة تساعد “حماس” وإيران) والسعي لتسوية سياسية تشمل المنطقتين على أساس “مبادرة السلام العربية” والقرار 242 اللذين يشكلان الإطار الوحيد في “نافذة الفرص” للتوصل إلى “اتفاق سلام شامل”. ليس من قبيل الصدفة أن تعارض “حماس” وإيران “المبادرة العربية”. لماذا تتشارك إسرائيل في موقفها من هذا الموضوع مع أعدائها؟

المصدر : صحيفة هآرتس الاسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole