الصفقة التي تبرز قطاع التكنولوجيا العليا الإسرائيلي

الصفقة التي تبرز قطاع التكنولوجيا العليا الإسرائيلي
Spread the love

بقلم: آفي حسون – رئيس دائرة الابتكار في وزارة الاقتصاد الإسرائيلية —

•عملية الاستحواذ العملاقة على شركة “موبيل آي” (Mobileye) التي قامت بها شركة “إنتل” (Intel) [المنتجة للشرائح الإلكترونية] هي فصل إضافي في رواية النجاح غير المسبوق لقطاع التكنولوجيا العليا الإسرائيلي. وأبعد من تفاصيل الصفقة نفسها، يمكن أن نستشف بعض الحقائق.

•أولاً، نحن شهود مجدداً على عملية نضوج صناعة التكنولوجيا العليا المحلية. وفضلاً عن عمليات خروج (exits) [انتقال المنتج إلى شركة أخرى] سابقة لشركات ناشئة [start-ups]، نشهد أكثر فأكثر شركات إسرائيلية مثل “موبيل آي” تؤسَّس كشركة متكاملة، مستقلة، ورائدة للقطاع الذي تنشط فيه. وفي هذه الحالات، إذا وعندما يتم شراء الشركة، تجري العملية على نطاق وبشروط مختلفة كلياً عن شراء شركة تكنولوجية ناشئة تنشط على مستوى ضيّق. فهل كنّا نفضل من منظور الاقتصاد [المحلي] أن تواصل شركة “موبيل آي” عملها كشركة مستقلة؟ ربما، ومع ذلك لا ريب في أن مجلس إدارتها فعل الشيء الصحيح لمصلحة المساهمين.

•النقطة الثانية هي قوة منظومة الابتكار الإسرائيلية وتحديداً التنوع والترابط بين مكوناتها. إن التفاعل بين مؤسسات أكاديمية رائدة وشركات ناشئة وشركات متعددة الجنسية وشركات متوسطة الحجم وشركات سريعة النمو- جميعها ضمن نظام مترابط (ecosystem) صغير نابض بالحياة كالذي في إسرائيل- يثمر روابط ويولد قيمة اقتصادية هائلة. ووجود لاعب اقتصادي رئيسي مثل شركة “إنتل” في إسرائيل يسهم في تطوير الاقتصاد سواء مباشرة من خلال زيادة فرص العمل لآلاف المستخدمين وتدريبهم، أو بشكل غير مباشر من خلال الطاقة الكامنة في تنويع مجالات التعاون مع لاعبين آخرين في منظومة الابتكار على نحو ما نشاهد الآن.

•ثالثاً، في عالم الابتكار تسقط الجدران بسرعة فائقة بين التقنيات والأسواق المتعددة. في الماضي غير البعيد كانت شركات الشرائح الإلكترونية تنتج شرائح، وشركات السيارات تصنع سيارات. إنّما في السنوات الأخيرة، وأتوقع استمرار هذا الاتجاه العام وتكثيفه، نشهد دمجاً بين تقنيات تفرض على شركات فائقة التكنولوجيا وكبيرة الحجم أن تطور مجموعة كاملة من منتجات مكمّلة في أسواق متعددة. وسوق المركبات نموذج لافت لهذا الأمر. فمنذ سيارة فورد من طراز “تي” (Model T) التي صنعت قبل أكثر من مئة عام، كانت التغييرات في عالم السيارات كمية في جوهرها، لكن طراز السيارات بقي على حاله. أما السيارات الحديثة المزودة بأنظمة رؤية حاسوبية (computer vision) وتعتمد على ذكاء اصطناعي (deep learning) وبيانات ضخمة (Big Data)، فهي تشكل تغييراً نوعياً. وهذه السيارات عملياً هي كمبيوتر ضخم يسير على عجلات، ويلغي الحاجة إلى “الكمبيوتر” الذي كان يأخذ القرارات حتى الآن، أي إلى سائق السيارة. من سيقود تطوير هذه السيارات الحديثة؟ هل هي شركات السيارات التقليدية؟ شركات الكمبيوتر؟ شركات متخصصة في إنتاج أنظمة رؤية حاسوبية؟ الإجابة هي سباق تنافسي هائل بين شركات عملاقة يفرض عليها شراء وتطوير معرفة وتقنيات في مجالات عدة.

•وهناك نقطة إضافية تتعلق بأهمية العلوم في عالم التكنولوجيا، وبالذات في الحقبة التي يسود فيها انطباع بأن العديد من عمليات التطوير التكنولوجي تتمحور حول تطبيقات تأسست على قاعدة تقنيات سابقة. وهنا تبرز حالة شركة “موبيل آي”. فهذه الشركة تشهد على أن الدمج بين علم متميز مبني على تميز بحثي (تحية إلى البروفسور أرنون شعشواع لرحلته الطويلة من مختبرات الجامعة العبرية إلى الصفقة) ومبادرات تكنولوجية وبناء شركة أعمال بمجهود سيزيفي، يولّد قيمة هائلة.

“موبيل آي”
•تأسّست شركة “موبيل آي” (Mobileye) عام 1999 بمبادرة من زيف أفيرام (الرئيس) وأمنون شعشواع (العالم الرئيسي) وهي متخصصة بأنظمة الرؤية الإلكترونية (computer vision). استخدم شعشواع وهو في الأساس باحث أكاديمي في الجامعة العبرية، مختبرات الجامعة لتطوير بحثه الأكاديمي إلى حلول تقنية لأنظمة الرؤية المساعدة في قيادة السيارات، وإلى تطبيقات قابلة للتسويق في عالم صناعة السيارات مثل أنظمة تفادي التصادم.
•وبواسطة برامج “خوارزمية” وكاميرات صغيرة بدأت الشركة بإنتاج معالجات (processors) كان أولها EyeQ 5 عالي الأداء للرؤية الإلكترونية الذي يتيح للمركبة سلامة وظيفية واستخداماً منخفضاً للطاقة ويعالج المعلومات التي تتلقاها مستشعرات الرؤية المحيطية بزاوية 360 درجة ويسمح بتفسيرها فضلاً عن تحديد موقع السيارة.
•وفي العام 2011 أطلقت “موبيل آي” نظام إنذار لمنع التصادم. وفي العام 2013 باعت 25% من أسهمها مقابل 400 مليون دولار إلى مجموعة مستثمرين متخصصين في الشركات الرائدةblue chip . وفي العام 2013 بلغ رأس مال الشركة 515 مليون دولار وعدد موظفيها 543 موظفاً. وفي العام 2014 جمعت مبلغ مليار دولار في بورصة نيويورك من خلال عرض أولي عام IPO (عرضت أسهم الشركة للشراء لعامة الناس). وفي العام 2016 بدأت تجمعها شراكات استراتيجية مع مصنعي السيارات “فولكسفاغن” و”بي ام دبليو” الألمانيين، وشركة دلفي البريطانية لصناعة معدات السيارات.
•وفي حزيران/يونيو 2016 بدأت الشركة تتعاون مع شركة الحوسبة الأميركية العملاقة “إنتل” المتخصصة في إنتاج الشرائح الإلكترونية والمعالجات، بهدف بدء تطوير سيارات ذاتية القيادة بالشراكة مع “بي ام دبليو” الألمانية من أجل إطلاقها بحلول العام 2021.
•وفي 13 آذار/مارس 2017، أعلن بريان كرزانيتش الرئيس التنفيذي لشركة “إنتل” صفقة بقيمة 15 مليار دولار في إطار عملية استحواذ على شركة “موبيل آي”، وهذه أكبر عملية خروج ناجح (exit) لشركة ناشئة إسرائيلية (“ذي ماركر”، 13/3/2017). وحجم الصفقة الكبير نسبة لحجم الاقتصاد الإسرائيلي كان لافتاً إلى حد أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، اتصل برئيس الشركة زيف أفيرام وهنأه. وفور إعلان إبرام الصفقة، قفز سعر سهم “موبيل آي” في بورصة نيويورك من 29,7 دولاراً إلى 61,31 دولاراً (“هآرتس”، 14/3/2017).
“إنتل”- فرع إسرائيل
•تعلن شركة “إنتل”- فرع إسرائيل على الملأ مساهمتها في نمو قطاع التكنولوجيا في إسرائيل. وبحسب تقرير نشرته شركة “إنتل”- فرع إسرائيل في شهر تموز/يوليو 2016 أسهمت الشركة في ما نسبته 11% من صادرات إسرائيل. وبلغت قيمة صادرات “إنتل” الإسرائيلية 16 مليار دولار في العام 2015 (من أصل قيمة صادرات إسرائيل التكنولوجية الإجمالية البالغة حينها 37,5 مليار دولار). والشركة الأميركية مشغل كبير إذ لديها 10 آلاف مستخدم في إسرائيل وتشتري مدخلات من 1200 مورّد محلي (“هآرتس”، 6/7/2016).
__________
 إعداد: يولا البطل.

المصدر: صحيفة “يديعوت أحرونوت”، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole